بسم الله الرحمن الرحيم
دلالة الناس على خالقهم ، ودعوتهم إليه ؛ من أَشرف الأَعمال ، وأَرفع العبادات ، وأبرز مهام الأنبياء والمصلحين ، وأَخصّ خصائص الرسلِ أجمعين ، قال تعالى :{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }. [ سورة فصلت : 33 ]
وكل أحد مطالب أن يجتهد استطاعته وإمكاناته في تعريف الناس بخالقهم ، وبالغاية التي خُلقوا من أجلها ، بحسب ما يتاح له من وسائل دعوية ، ليعيش الناس في هناءة وسعادة واستقرار ، فيأتي يوم القيامة وقد رُصدت له جبال من حسنات ترتقي به في جنات رب العالمين ، وتسعده في دنياه بإذن الله ، { مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ }. [رواه مسلم ]
جاء في سبب هذا الحديث أنه :{ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنِّى أُبْدِعَ بِى فَاحْمِلْنِى، فَقَالَ : مَا عِنْدِى ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ } . [رواه مسلم ]
والحديث فيه :{ فَضِيلَة الدَّلَالَة عَلَى الْخَيْر وَالتَّنْبِيه عَلَيْهِ ، وَالْمُسَاعَدَة لِفَاعِلِهِ ، وَفِيهِ : فَضِيلَة تَعْلِيم الْعِلْم وَوَظَائِف الْعِبَادَات }.]شرح النووي على مسلم رحمهما الله ]
إنني أخواتي الكريمات لستُ ممن يطالبكن بتحويل السفر إلى برامج عمل أخرى (قد) لا تتوافق مع السياحة ، والاستجمام المطلوبان في سفرك السياحي ، ولكنني أثق أن للدلالة على خالقك ومولاك أولوية قصوى في حياتك ، وأن دينك الحنيف قد انتشر بالسلوك الحسن الذي مارسه أتباعه ، بالدعوة بالقدوة، وبالتي هي أحسن من قِبَل التجار والمهاجرين .
والوسائل الدعوية كثيرة جداً ، أعرض خمساً منها لمناسبتها لكل أحد بإذن الله :-
1- الدعوة بالقدوة والسلوك الحسن :-
لكل منا رسالة ينبغي له أن يقوم بها ، ويوصلها للآخرين على الوجه الأكمل ، والمسافر كذلك ينبغي له أن ينشر رسالة حين سفره ، رسالة للآخرين تُعَبِّرُ عن قيمه وأخلاقه ، رسالة ليست بالكلام فقط، بل بالسلوكيات والمنهج الذي يمارسه ويحافظ عليه .
إن مظهرك أختي الكريمة ، و مفرداتك ، وإيمانك بما تدعين إليه هم أول رُسُلٍ منكِ إلى قلوب من تدعينهن وتختلطين بهن ، فإن استطاعت رُسلُك الوصول إلى قلوب الأخريات ، كان تحقيق ما تريدين هيناً بحول الله وتوفيقه .
قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام وهو يدعو من معه في السجن إلى الله :{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }]سورة يوسف ] ، لنتأمل تلطفه معهم حيث جعلهم أصحاباً له في السجن بقوله ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) ، ولم يقل ( يا مساجين ) أو كلمة نحوها ، مع أن سبب دخوله السجن ليس كسبب دخولهم .
إنَّ { الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ } [رواه البخاري ] ، فإن رافقتها القدوة الحسنة ، والابتسامة الحانية ، كان ذلك أعظم وأبلغ وسائل الدعوة ، فالتقليد والمحاكاة غريزة في كيان الإنسان، يجد في أهل الفضل والخير والمعروف مُثُلاً عُليا، ونبراساً يُهتدى به .
هذا الإمام أحمد رحمه الله يحضر درسه ( 5000 ) طالب ، منهم ( 500 ) يكتبون ، و(4500 ) يستمعون ، ويتعلمون من سَمته وخُلقه وأدبه ، فإن لغة الجسد أكثر تأثيراً من لغة اللسان ، فهي تمثل ( 55 % ) من التأثير ، في حين أن الصوت يمثل ( 38 % ) ، وتبقى الكلمات المنطوقة لتحتل ( 7 % ) فقط .
إن مستويات الفهم للحديث يتفاوت من شخص لآخر ، لكن الجميع يستوون أمام الرؤية ، وسلوك الفتاة أنموذج حي ، أبلغ من ألف خطبة رنَّانة ومحاضرة بليغة ، الأخريات ينظرن إلى حسن خلقها ، وطيب حديثها ، وجمال مظهرها ومخبرها ، وحسن تعاملها ، ومحافظتها على شرائع ربها .
وإذا بحثت عن التقيّ وجدته --- رجلا يُصدّق قوله بفِعالِ
تقول إحدى الأخوات : ( لم تكن والدتي كثيرة أمرٍ أو نهي ، لكن أفعالها تنطق بما تريد ، فما ذكرت أمراً إلا كانت هي أول من يسبق إليه ، و والله ما فَتحتُ عيناي من الليل ، إلا وأجد أمي تناجي ربها ، فتأصل في قلبي حب قيام الليل من فعل أمي ). [الدعوة بالقدوة الحسنة . أ.جوهرة اللحيد ]
2- توزيع شيء من البطاقات والكتيبات الدعوية الخفيفة :
كُتيبات وبطاقات لا تتجاوز حجم الكف ، ككتاب حصن المسلم ، أو بطاقة أذكار ما بعد الصلاة ، أو تلك التي تتحدث عن الإيمان بالله ، و عظمة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، و بر الوالدين وصلة الرحم، ونحو ذلك ، بلغة أهل البلاد التي تزورينها ، تتركينها على مقعدك في المطعم أو في الحافلة أو في المنتزهات والاستراحات ، أو تهدينها إلى واحدة ممن تلتقينهن هنا أو هناك ، أو تجعلينها في استقبال الفندق ؛ قد ينير الله به قلب أَمَةٍ لم تكن في حسبانك ، فالكتاب من أهم وسائل الدعوة إلى الخير ، إذ أنه يخاطب العقل والعاطفة معاً.
3- زيارة الأماكن الخيرية والدعوية للشد من أزرهم :
يمكن أن يتضمن البرنامج السياحي زيارة للمراكز الخيرية ، والجهات الدعوية ، فإن فيها خير ودعم لهم كبير ، وشد من أزرهم ، وإعانة لهم على الخير .
4- كوني مفتاح خير لمن معك :
ينبغي استغلال كل مناسبة للدلالة على الخير لدى أهلك ومن معك ، فحين رؤية جمال خلق الله مثلاً يمكن استذكار شيء من الآيات الكريمات ، أو الأحاديث النبوية المتعلقة بالتفكر في مخلوقات الله ، وحين الدخول إلى قرية أو بلد يتم التذكير بالدعاء الوارد ، ونحو ذلك ، يقول صلى الله عليه وسلم : { فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر و ويل لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير }.[حديث حسن ، حديث رقم : ( 4108 ) في صحيح الجامع للألباني رحمه الله ]
5- المناصحة الفردية :
وهي مخاطبة المدعو منفردا عن الناس إذا كانت المسألة تخصه ، ( أم محمد ) من السعودية فتاة تَتَّخذ من الحجاب الساتر شعاراً لها ، تقول : دخلتُ أحد المجمعات في إحدى الدول الأوربية ، ذهلتُ وأنا أرى بجواري امرأة في العقد الثالث من عمرها ، وقد كشفت عن معظم جسدها حتى أنَّك لا تفرِّق بينها وبين بعض الفتيات الكافرات المتحرِّرات ، الغريب أنها تتحدَّث العربية مع زميلة لها ، اقتربتُ منها ، وبابتسامة صادقة ، رحَّبتُ بها ودعوت ، وبعد حوار يسير تبين أنها من بلاد المسلمين ، ووالدها يأتي بهم كل صيف ، فيتركهم دون متابعة وعناية ، ليتفرَّغ هو لأعماله ، ذكَّرتها على انفراد بمن تكون، فرأيت التأثر بادياً على محياها، ووعدتني بأن تكون على خير بإذن الله .
و داعية مسلم شهير سكن مدينة ميونخ الألمانية ، وجد عند مدخل المدينة لوحة كبيرة مكتوب عليها بالألمانية ( أنت لا تعرف كفرات يوكوهاما ) ، فكانت الفكرة ! أقام هذا الداعية لوحة أخرى بجوار تلك اللوحة كتب عليها ( أنت لا تعرف الإسلام ، إن أردت معرفته فاتصل بنا على هاتف كذا وكذا ) وانهالت عليه الاتصالات من الألمان من كل حدب وصوب حتى أسلم على يده في سنة واحدة قرابة ألف ألماني ما بين رجل وامرأة ، وأقام مسجداً ومركزاً إسلامياً وداراً للتعليم.
وأخيراً: طوبى لمن يصدق فيها قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ}. [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني رحمهما الله ]